السبت، 2 فبراير 2013

حول الموت والحياة - سيد قطب



أختي الحبيبة… (1) هذه الخواطر مهداة إليك…

إن فكرة الموت ما تزال تخايل لك، فتتصورينه في كل مكان، ووراء كل شيء، وتحسبينه قوة طاغية، تُظِلُّ الحياة والأحياء، وتَرَيْنَ الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة.

إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة، وما يكاد يصنع شيئاً إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!…

مَدُّ الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي!… كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار… الأمهات تحمل وتضع، الناس والحيوان سواء. الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة… الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار… السماء تتدفق بالمطر، والبحار تعج بالأمواج… كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد!.

بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!… والحياة ماضية في طريقها، حية متدفقة فوارة، لا تكاد تحس بالموت أو تراه!…

لقد تصرخ مرة من الألم، حين ينهش الموت من جسمها نهشة، ولكن الجرح سرعان ما يندمل، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل صيحة مراح… ويندفع الناس والحيوان، والطير والأسماك، والدود والحشرات، والعشب والأشجار، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء!… والمـوت قابع هنالك، ينهش نهشة ويمضي… أو يتسقّط الفتات الساقط مـن مائدة الحياة ليقتات!!.

الشمس تطلع، والشمس تغرب، والأرض من حولها تدور، والحياة تنبثق من هنا ومن هناك… كل شيء إلى نماء… نماء في العدد والنوع، نماء في الكم والكيف… لو كان الموت يصنع شيئاً لوقف مد الحياة!… ولكنه قوة ضئيلة حسيرة، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة…!.

من قوة الله الحي...: تنبثق الحياة وتنداح!!. (2)

--------------------------------------------------------------------------------

(1) لعل هذه الرسالة إلى أخته " حميدة " وليست " أمينة " كما ذهب بعضهم، لأن " حميدة " كانت دائمة التفكير في الموت، أكثر من باقي إخوتها. كما ذكر سيد قطب عنها في كتاب " الأطياف الأربعة ".

(2) مقال " في الأدب والحياة " مجلة الكتاب. الجزء الرابع. أبريل 1951 ص: 391 – 192

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق